سوف أذكّر ببعض الأمور التي أرجو من الله أن تكون سبباً في الحد من هذه الظاهرة.
أخي الكريم:
تذكّر
قول الرسول صلى الله عليه و سلم: «من غشنا فليس منا» رواه البخاري. لاحظ
أن الرسول قال: «من غشنا» ليشمل كل صور الغش، كبيره وحقيره، في المواد
الشرعية أو الأجنبية، فكل ذلك داخل في الحديث. فهل ترضي أن يتبرأ منك النبي صلى الله عليه
و سلم؟ أي خير ترتجي إذا تخلّى عنك الرسول صلى الله عليه وسلم وأعلن
البراءة منك؟ تذكّر أنك بمجرد أن تفكر في الغش فقد تخليت عن أهم صفة يجب أن
تتحلى بها في هذا العلم، ألا و هي الإخلاص لله؛ وذلك لأنك بتفكيرك في
الغش؛ يكون همّك هو الدرجات والشهادة فقط، وهل تدري أي خطر في هذا؟
إن
هذه العلوم التي تدرسها؛ أن كانت من علوم الدنيا فقد ضيّعت على نفسك أعظم
الأجر. وإن كان فيها بعض العلوم شرعية ( كالفقه و التوحيد ..) وهي مما يجب
ابتغائها لوجه لله، ولو طلبها العبد لغير الله فيخشى عليه أن يكون من أصحاب
هذا الحديث: «من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله تعالى، لا يتعلمه إلا
ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» يعني ريحها.
يا لله؛ لم يرح رائحة الجنة! وأعظم من ذلك كله، أنك جعلت الله أهون الناظرين إليك.
نعم، جعلت الله الذي {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} أهون من المراقب.
كم
من طالب لو وقف المراقب بجواره لأصبح قلبه يرتجف، وأوصاله تضطرب، والعرق
يتحدر من جبينه. ولكن إذا ابتعد المراقب جاءت النظرات، وجاءت المحاولات
للغش والخداع.
أو ليس حاله يقول:
يا رب أنت عندي أهون من هذا المراقب.
يا رب أنا أخشي المراقب أعظم وأكثر منك.
تذكّر
أن الشهادة التي تحصل عليها والتي سوف تتوظف بها هي شهادة مزوّرة، وبالتالي فسوف يكون الراتب الذي تأخذه حراماً.
سوف يكون مالك من حرام، وسوف تغذي أبناءك بالحرام، وزوجتك بالحرام.
وهنا نقطة لا بد من التنبيه عليها:
ألا وهي أن بعض الطلاب يقول: أنا لا أغش، ولكن أغشش غيري، وهذا أهون.
فأقول:
لا والله ليس بأهون بل هو أخطر. فإنك إذا غششت ثم تبت فإنك سوف تصحح
شهادتك، لكنك إذا غشّشت غيرك، ثم تبت أنت من ذلك، فأني لك أن من غششته سوف
يتوب، أنّى لك أن تصحح شهادته، أنّى لك أن توقف أكله للحرام.
ونقطة
أخرى: أن بعض الطلاب يرى غيره يغش ولا يحرك ساكناً، بل ربما قال: هذا ليس
من شأني، فأنا والحمد لله لا أغش. وهذا في الحقيقة شيطان أخرس، لأنه رأى
منكراً ولم يغيّره. والواجب عليه أن ينصح ذلك الطالب، فإن لم يستطع فيجب أن
يبلغ المراقب، وأن لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يخش إلا الله.
ونقطة
أخرى: إن بعض المدرسين قد يحابي بعض الطلاب في بعض الدرجات ويظن أن ذلك من
صلاحيته، وربما قاس ذلك على أن من حقه أن يعطي من ماله ما يشاء. وهذا خطأ
عظيم فالمدرس ليس من حقه أن يعطي بعض الطلاب درجات لا يستحقها ، بل الواجب
العدل، لأنه مستأمن على هذه الدرجات، والتي لا يملك منها شيئاً، وإنما هو
مطبق للنظام.
يقول فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين: "فإن المعلم
الذي يقدر درجات أجوبة الطلبة ويقدّر درجات سلوكهم، هو حاكم بينهم لأن
أجوبتهم بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي القاضي.
فإذا
أعطى طالباً درجات أكثر مما يستحق، فمعناه أنه حكم له بالفضل على غيره مع
قصوره، وهذا جور في الحكم. وإذا كان لا يرضى أن يقدم على ولده من هو دونه،
فكيف يرضى لنفسه أن يقدم على أولاد الناس من هو دونهم". ا.هـ من كتاب (
نصائح في الاختبارات 12).
فيا أخي الكريم:
عليك أن
تراقب الله قبل كل شيء، وأن تعلم أن روحك التي بين جنبيك بيد الله، أنفاسك
التي تتردد في صدرك هي بيد الله، فاتق الله ولا تجعل الله ينظر إليك وأنت
تعصيه.
تذكّر أن الأمانة سوف تنصب على جنب الصراط، ولن يجوز عليه إلا من كان أميناً، والغش ينافي الأمانة كل المنافاة.
أسأل الله أن يسهّل على أبناءنا، وأن يحميهم من الغش والخيانة، وأن يأخذ بنواصيهم لما يحب ويرضى